Apr 8, 2010

سياستنا : برادعي.. حراك سياسي متصاعد في مصر

القاهرة - محرر مصراوي - للأسبوع الثاني على التوالي يقوم الدكتور محمد البرادعى بجولة ميدانية وسط الناس، الأولى كانت في مسجد الحسين في قلب القاهرة، بعد صلاة يوم الجمعة 26 مارس الماضى، والثانية كانت في المنصورة وفي كلا الجولتيْن، احتشد الناس حول الرجل ورفعوا شعارات تأييدٍ له، باعتباره مرشحا محتملا للرئاسة وإبناً باراً لمصر وعالما له حيثية دولية. وبعض الشعارات رأت في الرجل أنه بطل يحرر الوطن.

والبرادعي يرى حركته الشعبية بديلا ثالثا لبديليْن تحكما في الحالة السياسية المصرية طوال العقود الثلاثة الماضية، وهما بديل الإخوان المسلمين، بطرحهم الديني المحافظ، وبديل الحزب الوطني الحاكم، الذي يتعرض لعملية نقْد شعبي ونخبوي لا تتوقف، باعتباره مسؤولا عن حالة الجمود السياسي التي فرضت نفسها على مصر في العقديْن الماضييْن، وسبباً مباشرا في توقف التطور الديمقراطي وغياب الدور الريادي.

ويرى نفسه محركا للناس لكي يطالبوا بتغيير الدستور، لاسيما مواده المتعلقة بفرص ترشح المستقلين، والتي تعد معدومة تقريبا، في ضوء الشروط الواردة في المادة 76، كما يرى نفسه أيضا نصيرا لليبرالية السياسية والاقتصادية، التي عرفتها مصر في عصرٍ سابق، وتعد الآن مطلبا مقبولا من قطاعٍ عريضٍ من النخبة السياسية النشطة، التي ترفض الوضع الراهن، بما فيه من جمود سياسي لا يتناسب مع طموحات المصريين ولا قدر مصر كدولة قائد في الإقليم.

كما يصور البرادعي نفسه ب "عود الثقاب بجانب برميل بارود"، في تعبير مجازٍ يشير إلى استعداد المصريين للحركة والانطلاق، وأن كل ما ينتظرونه فقط، هو صاعق التفجير الذي يلهب الحماس ويطلق الطاقات الكامنة. تعبير مجازٍ لا يخلو من الاقتناع بأن الوضع المصري ناضج تماما لكي يصنع المعجزات والتغيرات الكبرى، وأن دوْر البرادعي هنا هو، قيادة الإلهام والتوجيه والتحفيز والتشجيع على الحركة.

غيْر أن حركة البرادعي في شقها التنظيمي، لا تخْلو من إشكاليات عملية، فهي حتى اللحظة تقوم على محورية الرجل وسمعته الدولية، أو بعبارة أخرى، حركة الرجل الواحد في تماثلٍ مع الانتقادات التي توجهها المعارضة للنظام ككل. ولا يبدو أن للحركة حتى اللحظة والمسماة بالجمعية الوطنية للتغيير، أية أهداف كبرى، سوى تغيير الدستور ومواده المقيدة لترشيح المستقلين، وتلك المتعلقة بضمانات الانتخابات الشفافة والنزيهة.

وتنظيميا، هناك ومن قلْب الجمعية، من يرى وجود ارتباكات تنظيمية كبرى لابد من معالجتها. ومن المآخذ المتداولة، أن صنع القرار في الجمعية لا يتم بالتشاور، وإنما عبْر مجموعة صغيرة تعلن عن تلك القرارات في الصحف، ليفاجأ بها أعضاء الجمعية.

وكما أن البرادعي يعين أناسا مسؤولين عن أنشطة معينة، كمنسق لحركة جمْع التوقيعات أو مسؤولا عن الحركة في المحافظات أو متحدثا إعلاميا، دون التشاور مع أحد، وأخيرا يثار التساؤل عن الهدف من جمْع توقيعات مليون مصري وما هي الخطوة التالية لعريضة تتحدث عن طموحات التغيير، التي لا خلاف عليها إجمالا.

مشكلاتٌ ذات طابع تنظيمي، ربما سيحل بعضا لاحقا، لكنها تعكس بقدرٍ ما طبيعة الحركة التي تبحث عن تأثير لها بين الناس والقوانين على السواء.

أما المصريون أنفسهم ومواقفهم تجاه البرادعي وحركته، فيمكن تقسيمهم إلى ثلاث أصناف: الأول، يهتم بما يفعله الرجل وتناصره وتعمل على مشاركته في إحداث تغيير جذري في الحالة السياسية الراهنة، ويعتبرون أنفسهم جزءً من هذا الحراك الجديد، الذي فرض نفسه، ويبدو أنه سوف يتصاعد تدريجيا في الآونة المقبلة، طالما استمر الرجل في النزول إلى الشارع ليحرك فيه المشاعر وإرادة التغيير الشعبي بوجهٍ عام.

والثاني، يراقب ما يفعله الرجل ويتابع تحركاته، ولكنهم لا يؤيدون كل ما يقول ويعتبرون أن علمه ومنصبه الدولييْن السابقيْن، لا يؤهلانه بالضرورة إلى رئاسة مصر وأن معيشته لسنوات طويلة في الخارج قد فصلت بين الرجل وبين الحالة المصرية بكل ما فيها وما عليها، وبعضٌ من هؤلاء، يأخذون على الرجل انتقاداته للحقبة الناصرية وما تركته حتى اللحظة من بعض مبادئ، ذات طبيعة اشتراكية، من قبيل بقاء واستمرار نسبة 50% من العمال والفلاحين في البرلمان المصري، رغم ما جرى من تغييرات كبرى على طبيعة المجتمع المصري في السنوات الخمسين الماضية.

أما الصنف الثالث، فهم الرافضون للرجل تماماً والذين يرون أنه جرى إسقاطه أو أنه جزء من لعبة أمريكية لإحداث تغيير في البلاد، ليس على هوى المصريين، وهؤلاء ينتقدون الرجل بما فيه وبما ليس فيه أيضا، وجزء معتبر منهم يقفون مع بديل الحزب الوطني الحاكم ويؤيدون خياراته المحتملة في ترشيح جمال مبارك رئيسا للبلاد في الانتخابات المقررة فى نهاية عام 2011، إن تطلب الأمر ذلك.

هذه المعادلة الثلاثية ليست ثابتة في قوة كل ضلع فيها. فهناك تغيير محتمل في حجم وقيمة وقوة كل ضلع منها، والزمن هنا يلعب دوره بكل قوة، لاسيما وأن الحراك الذي تشهده مصر الآن، يجري في خلفيته تطوران هامان: الأول، يتعلق بصحة الرئيس مبارك بعد العملية الصعبة التي أجراها في أحد المستشفيات الألمانية الكبرى والمتخصصة في إزالة الأورام.

والثاني، ذلك الحوار الذي لم ينقطع يوما حوْل ضرورة تعْيين نائب للرئيس يحل محله في أوقات الضرورة، التي يحددها الدستور، ومنها توقف الرئيس عن أداء مهام عمله لاعتبارات صحية.

التطور الأول يبدو محسوما إلى حدٍ كبير. فطالما أن الرئيس يتمتع بصحته ويرى نفسه قادرا على العطاء، فسيظل الوضْع على ما هو عليه، أما تعْيين نائب للرئيس، فهو في نظر الحكم ليس شرطا، والأمر يتعلق بإرادة الرئيس وليس أي طرفٍ آخر، فضلا عن أن الدستور يحدد طريقة انتقال السلطة في كل الظروف، ناهيك عن أن المؤسسات السيادية في مصر هي صاحبة الكلمة العليا، سواءٌ تم تعْيين نائب للرئيس أم ظل المنصب غير معمول به.

هذان التطوران يتعلقان أيضا بذلك الجدل الذي لم يتوقف طوال السنوات الخمس الماضية، عما يعرف بتوريث السلطة وإعداد المسرح لنجْل الرئيس جمال مبارك، لكي يكون المرشح الوحيد للحزب الوطني في انتخابات رئاسية مقبلة، إن قرر الرئيس مبارك عدم خوْضها لأي سبب كان، وبالتالي، يكون الأوْفر حظاً في الفوز بهذا المنصب الرفيع، خاصة في ضوء حركة الأحزاب الرسمية وعدم توافر منافسين لديْها قادرين على الفوز أو المزاحمة الانتخابية الرئاسية أصلا.

بيْد أن موضوعية التحليل تتطلب ملاحظة أن الجدل حول التوريث قبْل الحراك السياسي المتصاعد حاليا والذي يقوده البرادعي، لم يعد هو الجدل ذاته بعْد هذا الحراك. ففكرة غياب البدلاء القادرين على قيادة البلاد، التي كانت الأساس الذي بنى عليه مؤيدو جمال مبارك أنه البديل الوحيد الآمن للبلاد، باتت فاقدة الصلاحية، وإن لم يكن البرادعي هو البديل، فهناك بالقطع آخرون يمكن أن يكونوا هذا البديل المناسب، بما في ذلك كثيرون محسوبون على النظام الحاكم ذاته ولهم شعبية معقولة واحترام كبير بين العامة والنخبة معا.

هكذا تتطور الأمور وتتغير معالمها، إلى حد أن بعض كبار المحسوبين على الحزب الحاكم باتوا يروجون إلى أن حراك البرادعي السياسي، يجب أن يؤخذ بجدية أكثر وأن على الحزب الحاكم أن يعد نفسه لمعركة سياسية كبرى، سواءٌ في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية المقبلة، بل هناك من يقول إن على الحزب الحاكم أن يعد نفسه لاحتمال أن يكون حزبا من بيْن عدة أحزاب كبيرة ستفرض نفسها على الساحة، بحكم حركة الناس في الشارع، وهي الحركة التي تتزايد معدلاتها بشكل ملموس ولم يعد من الممكن محاصرتها بآليات أمنية عفا عليها الزمن ولم تعد تصلح لمواجهة طموحات الناس وتحركاتهم، سواء العفوية أو المنظمة


نقلا عن مصراوى

No comments:

Post a Comment